بيان
موجز البيان
قال ملك المملكة الأردنية الهاشمية، عبد الله الثاني ابن الحسين، إنه "كثيرًا ما نشعر وكأن عالمنا لم يعرف لحظةً واحدةً بلا اضطراب"، مؤكدًا أنه لا يذكر زمنًا كان أشدَّ خطرًا من الحاضر. وأوضح أنه، طوال قرابة عام، ظلّ العلم الأزرق للأمم المتحدة الذي يرفرف فوق ملاجئها ومدارسها في غزة عاجزًا عن حماية المدنيين الأبرياء من القصف العسكري الإسرائيلي. وقال: "إن الأمم المتحدة تتعرض لهجوم—حرفيًا ومعنويًا"، مشيرًا إلى أنّ شاحنات الإغاثة التابعة لها "ترسو بلا حراك على بُعد أميال قليلة من الفلسطينيين الذين يتهددهم الجوع". وأضاف أنّ أحكام محكمة العدل الدولية تُتجاهل وآراؤها تُهمَل، وأنه "في عالمٍ تُعَدُّ فيه بعضُ الدول فوق القانون الدولي" تميل العدالةُ العالمية "إلى إرادة القوة" وتصبح حقوق الإنسان انتقائية. وخَلُص إلى أنّ "تقويض مؤسساتنا الدولية وأطرنا العالمية أحدُ أخطر التهديدات لأمننا الجماعي اليوم".
وعن هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر على إسرائيل، أشار إلى أنها قوبلت بإدانة عالمية، غير أنّ الحجم غير المسبوق من العنف الذي أُطلِق على غزة منذ ذلك اليوم يجاوز أي تبرير. وقال: "إن هذه الحكومة الإسرائيلية قتلت من الأطفال والصحفيين والعاملين في الإغاثة والكوادر الطبية أكثر مما شهدناه في أي حربٍ أخرى في الذاكرة القريبة". واستشهد بما يجري في الضفة الغربية حيث أودت أعمالُ العنف الإسرائيلية بحياة 700 فلسطيني وتسببت في تهجير أكثر من 4,000 شخص قسرًا، متسائلًا: "كيف لا يُفهَمُ أنّ هذه الحرب تستهدف الفلسطينيين عمدًا؟" وبيّن أنه ترعرع جنديًا في منطقةٍ خبرت الصراع، وأن غياب المساءلة العالمية يطبع الفظائع بالتكرار. ودعا إلى آليةِ حمايةٍ للفلسطينيين في سائر الأراضي المحتلة، مؤكدًا أن لا دولة في الإقليم تجني فائدة من التصعيد.
وذكّر بأن العالم العربي مدَّ يده إلى إسرائيل لسنوات عبر "مبادرة السلام العربية"، لكن حكوماتٍ إسرائيلية متعاقبة—وقد شجّعها الإفلاتُ من المساءلة—رفضت السلام وآثرت المواجهة. وقال إن إسرائيل لعقودٍ قدّمت نفسها ديمقراطيةً حديثةً على النمط الغربي في الشرق الأوسط، غير أنّ وحشية الحرب على غزة "أرغمت العالم على التدقيق". وأضاف: "كثيرون باتوا يرون إسرائيل بعيون ضحاياها". وأوضح أن إسرائيل "الحديثة المتقدمة" التي تُعجَب بها الأنظار من بعيد، وإسرائيل التي "عايشها الفلسطينيون عن كثب"، لا يمكن أن تتعايشا؛ وقال: "سوف تغدو إسرائيل في نهاية المطاف إحدى الصورتين كاملًا دون الأخرى". وأردف أن العالم لسنواتٍ قبِل بواقعِ الاحتلال العسكري المستمر لفلسطين، لكن "الواقع القائم اليوم لا يُحتَمَل".
وأكد: "العالم يراقب، والتاريخُ سيحكم علينا بقدر الشجاعة التي نظهرها"، مشيرًا إلى أن الشعوب ستحكم أكانَت منظومةُ الأمم المتحدة ستستسلم للعجز أم ستدافع عن مبادئها. وقال: "يجب أن تتوقف هذه الحرب. ويجب أن يعود الرهائن والمحتجزون إلى ديارهم". وحثّ الدول على الانضمام إلى الأردن في تنفيذ جهد الإغاثة "الممر الإنساني إلى غزة"، مشددًا على أن المساعدات الإنسانية لا ينبغي أبدًا أن تُتَّخذ أداةً من أدوات الحرب. وإذ أقرّ بأن العالم أخفق سياسيًا بعد عامٍ كامل من اندلاع الحرب، استحضر كلمات والده—الملك الحسين—التي قالها قبل 64 عامًا في الدورة الخامسة عشرة للجمعية العامة: "أدعو أن يتحلّى هذا المجتمع الدولي بالشجاعة ليقرّر بحكمةٍ وبلا خوف، وأن يعمل بالعزم الذي تُمليه هذه الأزمة وضمائرُنا". وختم قائلًا: "كان والدي رجلًا ناضل من أجل السلام حتى آخر لحظة. ومثله، أرفض أن أخلّف لأبنائي—ولأبنائكم—مستقبلًا نكون قد تخلّينا عنه".
حذر العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني من أن الأمم المتحدة تواجه أزمة "تضرب في صميم شرعيتها، وتهدد بانهيار الثقة العالمية والسلطة الأخلاقية"، مشيرا إلى الأزمات المتزايدة التي تعصف بالأمن والسلام الدوليين.
جاء ذلك خلال كلمة ألقاها في المناقشة العامة للدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وأضاف العاهل الأردني قائلا: "تتعرض الأمم المتحدة للهجوم، بشكل فعلي ومعنوي أيضا. منذ قرابة العام، وعلم الأمم المتحدة الأزرق المرفوع فوق الملاجئ والمدارس في غزة يعجز عن حماية المدنيين الأبرياء من القصف العسكري الإسرائيلي".
وقال الملك عبد الله إن شاحنات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة تقف بلا حراك، على بعد أميال فقط من فلسطينيين يتضورون جوعا، مشيرا إلى "استهداف ومهاجمة عمال الإغاثة الإنسانية الذين يحملون شعار هذه المؤسسة بكل فخر، ويتم تحدي قرارات مـحكمة العدل الدولية، وتجاهل آرائها".
ما هو العالم الذي نختاره لأنفسنا؟
وخاطب العاهل الأردني زعماء العالم قائلا: "اسألوا أنفسكم: إذا لم نكن أمما متحدة بالقناعة والإيمان بأن جميع البشر متساوون في الحقوق والكرامة والقيمة، وأن جميع الدول متساوية أمام القانون، فما هو العالم الذي نختاره لأنفسنا؟"
وقال الملك عبد الله إن دول العالم أجمع، ومن ضمنها الأردن، أدانت هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر على مدنيين إسرائيليين، "لكن حجم الفظائع غير المسبوق الذي تم إطلاقه على غزة منذ ذلك اليوم لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال".
ووصف الوضع الراهن بأنه ينذر بالخطر، حيث تبرز الفظائع الممارسة بحق الفلسطينيين، مشيرا إلى الإحصائيات المروعة حول الضحايا في غزة والضفة الغربية. وأضاف: "في ظل غياب المساءلة الدولية، تصبح هذه الفظائع أمرا معتادا، الأمر الذي يهدد بمستقبل يسمح فيه بارتكاب مختلف الجرائم في أي مكان في العالم. هل هذا ما نريده؟"
وأكد أهمية ضمان حماية الشعب الفلسطيني وضرورة وجود آلية دولية من شأنها حماية "الفلسطينيين والإسرائيليين من المتطرفين الذين يدفعون بمنطقتنا إلى حافة حرب شاملة". كما انتقد سلوك الحكومة الإسرائيلية، محذرا من أن أي شكل من أشكال التهجير القسري هو جريمة حرب.
التصعيد ليس في مصلحة أحد
وقال الملك عبد الله إن التصعيد "ليس من مصلحة أية دولة في المنطقة، ويتجلى ذلك بوضوح في التطورات الخطيرة في لبنان في الأيام القليلة الماضية. يجب أن يتوقف هذا التصعيد".
وقال إن العالم العربي، ولسنوات، مدّ يده لإسرائيل عبر مبادرة السلام العربية، مستعدا للاعتراف التام بها وتطبيع العلاقات معها مقابل السلام، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، حسبما قال، "اختارت المواجهة ورفضت السلام، نتيجة للحصانة التي اكتسبتها عبر سنوات في غياب أي رادع لها. وفي غياب الرادع، ازدادت هذه الحصانة شيئا فشيئا".
كما انتقد المجتمع الدولي لعدم اتخاذه إجراءات فعالة تجاه الاحتلال الإسرائيلي، مطالبا بأن يتم احترام القانون الدولي، مستندا إلى رأي محكمة العدل الدولية. ودعا إلى توحيد الجهود لتحقيق السلام العادل الذي يستند إلى العدالة وحقوق الإنسان.
بوابة دولية للمساعدات الإنسانية
وأكد الملك عبد الله أهمية إيقاف المعاناة الإنسانية في غزة، وأن يعود الرهائن والأسرى إلى بيوتهم، مشددا على ضرورة توفير المساعدات الإنسانية بشكل فوري.
ودعا في هذا الصدد الدول إلى دعم الأردن في فرض وجود بوابة دولية "للمساعدات الإنسانية إلى غزة، كجهد إغاثي ضخم لإيصال الغذاء والمياه النظيفة والدواء وغيرها من الإمدادات الحيوية لمن هم في أمس الحاجة إليها. يجب ألا تكون المساعدات الإنسانية أداة حرب أبدا".
وحث كافة "الدول ذات الضمير" على أن تتحد مع الأردن في هذه المهمة خلال الأسابيع القادمة التي وصفها بالحرجة. "فبعد مضي عام تقريبا على هذه الحرب، أثبت عالمنا فشله سياسيا، ولكنّ هذا لا يستوجب أن تخذل إنسانيتنا أهل غزة بعد الآن".
رفض مستقبل يحكمه الاستسلام
وفي ختام كلمته، استذكر الملك عبد الله كلمات والده التي ألقاها قبل 64 عاما خلال الدورة الخامسة عشرة للجمعية العامة قائلا: "أدعو الله أن يتحلى مجتمع الأمم هذا بالشجاعة لاتخاذ القرار بحكمة وجرأة، وأن يتخذ الإجراءات العاجلة بالحزم الذي تتطلبه هذه الأزمة، والذي تمليه علينا ضمائرنا".
ثم اختتم حديثه قائلا: "لقد كان والدي رجلا قاتل من أجل السلام إلى آخر رمق، ومثل والدي تماما، فإنني أرفض أن أترك لأبنائي أو لأبنائكم مستقبلا يحكمه الاستسلام".
البيان كاملا
اقرأوا البيان كاملا في ملف بصيغة الݒي دي أف.
صورة